فصل: زواج التحليل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.العقد على المرأة وفي نية الزوج طلاقها:

اتفق الفقهاء على أن من تزوج امرأة دون أن يشترط التوقيت وفي نيته أن يطلقها بعد زمن، أو بعد انقضاء حاجته في البلد الذي هو مقيم به، فالزواج صحيح.
وخالف الاوزاعي فاعتبره زواج متعة.
قال الشيخ رشيد رضا تعلقا على هذا في تفسير المنار: هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي مع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون: إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزواج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد.
ولكن كتمانه إياه يعد خداعا وغشا.
وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات.
وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشا وخداعا تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو احصان كل من الزوجين للاخر، واخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة.

.زواج التحليل:

وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثا بعد انقضاء عدتها، أو يدخل بها ثم يطلقها ليحلها للزوج الأول.
وهذا النوع من الزواج كبيرة من كبائر الاثم والفواحش، حرمه الله، ولعن فاعله.
1- فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله المحلل والمحلل له» رواه أحمد بسند حسن.
2- وعن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له»..رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه.
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر وغيرهم.
وهو قول الفقهاء من التابعين.
3- وعن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» رواه ابن ماجه، والحاكم، وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالارسال.
واستنكره البخاري، وفيه يحيى بن عثمان، وهو ضعيف.
4- وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المحلل، فقال: «لا إلا نكاح رغبة، لا دلسة، ولا استهزاء بكتاب الله عزوجل، حتى تذوق عسيلته» رواه أبو اسحاق الجوزجاني.
5- وعن عمر رضي الله عنه قال، «لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما».
فسئل ابنه عن ذلك فقال: كلاهما زان رواه ابن المنذر، وابن رأبي شيبة، وعبد الرزاق.
6- وسأل رجل ابن عمر فقال: ما تقول في امرأة تزوجتها لاحلها لزوجها، ولم يأمرني ولم يعلم؟ فقال له ابن عمر: «لا، إلا نكاح رغبة، أن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، وإن كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقال: لا يزالان زانيين وان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها.

.حكمه:

هذه النصوص صريحة في بطلان هذا الزواج وعدم صحته، لأن اللعن لا يكون إلا على أمر غير جائز في الشريعة، وهو لا يحل المرأة للزوج الأول.
ولو لم يشترط التحليل عند العقد مادام قصد التحليل قائما، فان العبرة بالمقاصد والنوايا.
قال ابن القيم: ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك بالقول، أو بالتواطؤ والقصد فإن المقصود في العقود عندهم معتبرة، والاعمال بالنيات.
والشرط المتوطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم.
والالفاظ لا تراد لعينها، بل للدلالة على المعاني: فإذا ظهرت المعاني والمقاصد، فلا عبرة بالالفاظ لأنها وسائل، وقد تحققت غاياتها فترتب عليها أحكامها.
وكيف يقال: إن هذا زواج تحل به الزوجة لزوجها الأول، مع قصد التوقيت، وليس له غرض في دوام العشرة ولا ما يقصد بالزواج من التناسل وتربية الأولاد وغير ذلك من المقاصد الحقيقية لتشريع الزواج.
إن هذا الزواج الصوري كذب وخداع لم يشرعه الله في دين، ولم يبحه لاحد، وفيه من المفاسد والمضار ما لا يخفى على أحد.
قال ابن تيمية: دين الله أزكى وأطهر من أن يحرم فرجا من الفروج حتى يستعار له تيس من التيوس، لا يرغب في نكاحه ولا مصاهرته، ولا يراد بقاؤه مع المرأة أصلا، فينزو عليها، وتحل بذلك فإن هذا سفاح وزنا، كما سماه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف يكون الحرام محللا؟ أم كيف يكون الخبيث مطيبا؟ أم كيف يكون النجس مطهرا؟! وغير خاف على من شرح الله صدره للاسلام، ونور قلبه بالايمان، أن هذا من أقبح القبائح التي لا تأتي بها سياسة عاقل، فضلا عن شرائع الانبياء لا سيما أفضل الشرائع وأشرف المناهج. انتهى.
هذا هو الحق، وإليه ذهب مالك وأحمد، والثوري، وأهل الظاهر، وغيرهم من الفقهاء، منهم الحسن، والنخعي، وقتادة، والليث وابن المبارك.
وذهب آخرون إلى أنه جائز إذا لم يشترط في العقد.لان القضاء بالظواهر لا بالمقاصد والضمائر، والنيات في العقود غير معتبرة.
قال الشافعي: المحلل الذي يفسد نكاحه هو من يتزوجها ليخلها ثم يطلقها، فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح.
وقال ابن حنيفية وزفر: أن اشترط ذلك عند انشاء العقد، بأن صرح أنه يحلها للاول تحل للاول ويكره، لأن عقد الزواج لا يبطل بالشروط الفاسدة فتحل للزواج الأول بعد طلاقها من الزوج الثاني أو موته عنها وانقضاء عدتها.
وعند أبي يوسف هو عقد فاسد، لأنه زواج مؤقت، ويرى محمد بصحة العقد الثاني، ولكنه لا يحلها للزوج الأول.

الزواج الذي تحل به المطلقة للزوج الأول:
إذا طلق الرجل زوجته ثلاث تطليقات فلا تحل له مراجعتها حتى تتزوج بعد انقضاء عدتها زوجا آخر زواجا صحيحا لا بقصد التحليل.
فإذا تزوجها الثاني زواج رغبة، ودخل بها دخولا حقيقيا حتى ذاق كل منهما عسيلة الاخر، ثم فارقها بطلان أو موت، حل للاول أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها.
روى الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم عن عائشة: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني: فبت طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن زبير، وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» وذوق العسيلة كناية عن الجماع.
ويكفي في ذلك التقاء الخنانين الذي يوجب الحد والغسل.
ونزل في ذلك قول الله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظلنا أن يقيما حدود الله}.
وعلى هذا فان المرأة لا تحل للاول إلا بهذه الشروط:
1- أن يكون زواجها بالزوج الثاني صحيحا.
2- أن يكون زواج رغبة.
3- أن يدخل بها دخولا حقيقيا بعد العقد، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته.

.حكمة ذلك:

قال المفسرون والعلماء في حكمة ذلك: انه إذا علم الرجل أن المرأة لا تحل له بعد أن يطلقها ثلاث مرات إلا إذا نكحت زوجا غيره فانه يرتدع، لأنه مما تأباه غيرة الرجال وشهامتهم، ولا سيما إذا كان الزوج الاخر عدوا أو مناظرا للاول.
وزاد على ذلك صاحب المنار فقال في تفسيره:
إن الذي يطلق زوجته، ثم يشعر بالحاجة إليها فيرتجعها نادما على طلاقها، ثم يمقت عشرتها بعد ذلك فيطلقها، ثم يبدو له ويترجح عنده عدم الاستغناء عنها، فيرتجعها ثانية، فانه يتم له بذلك اختبارها.
لان الطلاق الأول ربما جاء عن غير روية تامة ومعرفة صحيحة منه بمقدار حاجته إلى امرأته.
ولكن الطلاق الثاني لا يكون كذلك، لأنه لا يكون إلا بعد الندم على ما كان أولا، والشعور بأن كان خطأ، ولذلك قلنا أن الاختبار يتم به.
فإذا هو راجعها بعده كان ذلك ترجيحا لامساكها على تسريحها.
ويبعد أن يعود إلى ترجيح التسريح بعد أن رآه بالاختبار التام مرجوحا.
فإذا هو عاد وطلق ثالثة، كان ناقص العقل والتأديب، فلا يستحق أن تجعل المرأة كرة بيده يقذفها متى شاء تقلبه ويرتجعها متى شاء هواه، بل يكون من الحكمة أن تبين منه، ويخرج أمرها من يده، لأنه علم أن لا ثقة بالتثامهما واقامتهما حدود الله تعالى.
فان اتفق بعد ذلك أن تزوجت برجل آخر عن رغبة، واتفق أن طلقها الاخر أو مات عنها، ثم رغب فيها الأول وأحب أن يتزوج بها - وقد علم أنها صارت فراشا لغيره - ورضيت هي بالعودة إليه فان الرجاء في التئامهما، واقامتهما حدود الله تعالى، يكون حينئذ قويا جدا، ولذلك أحلت له بعد العدة.

.صيغة العقد المقترنة بالشرط:

إذا قرن عقد الزواج بالشرط، فإما أن يكون هذا الشرط من مقتضيات العقد أو يكون منافيا له، أو يكون ما يعود نفعه على المرأة، أو يكون شرطا نهى الشارع عنه.
ولكل حالة من هذه الحالات حكم خاص بها نجمله فيما يلي:

.1- الشروط التي يجب الوفاء بها:

من الشروط ما يجب الوفاء به، وهي ما كانت من مقتضيات العقد ومقاصده ولم تتضمن تغييرا لحكم الله ورسوله، كاشتراط العشرة بالمعروف والانفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف، وأنه لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا باذنه، ولا تنشز عليه ولا تصوم تطوعا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إذا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك.

.2- الشروط التي لا يجب الوفاء بها:

ومنها ما لا يجب الوفاء به مع صحة العقد، وهو ما كان منافيا لمقتضى العقد كاشتراط ترك الانفاق والوطء أو كاشتراط أن لا مهر لها، أو يعزل عنها، أو اشتراط أن تنفق عليه، أو تعطيه شيئا، أو لا يكون عندها في الاسبوع إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل.
فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها، لأنها تنافي العقد.
ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع.
أما العقد في نفسه فهو صحيح، لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به، فلم يبطل، كما لو شرط في العقد صداقا محرما، ولان الزواج يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد.

.3- الشروط التي فيها نفع للمرأة:

ومن الشروط ما يعود نفعه وفائدته الى المرأة، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ونحو ذلك.
فمن العلماء من رأي أن الزواج صحيح وأن هذه الشروط ملغاة ولا يلزم الزوج الوفاء بها.
ومنهم من ذهب الى وجوب الوفاء بما اشترط للمرأة، فان لم يف لها فسخ الزواج.
والأول مذهب أبي حنيفة والشافعي وكثير من أهل العلم، واستدلوا بما يأتي:
1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا».
قالوا وهذا الشرط الذي اشترط يحرم الحلال، وهو التزوج والتسري والسفر. وهذه كلها حلال.
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط». قالوا: وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه.
3- قالوا: إن هذه الشروط ليست من مصلحة العقد ولا مقتضاه، والرأي الثاني مذهب عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس والاوزاعي واسحاق والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
2- وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلمون على شروطهم».
3- روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».
4- روى الاثرم بإسناده: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر بن الخطاب فقال لها شرطها مقاطع الحقوق عند الشروط.
5- ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود، لا يمنع المقصود من الزواج فكان لازما كما لو شرطت عليه زيادة المهر.
قال ابن قدامة مرجحا هذا الرأي ومفندا الرأي الأول: أن قول من سمينا من الصحابة، لا نعلم له مخالفا في عصرهم، فكان اجماعا.
وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «كل شرط...الخ».
أي ليس في حكم الله وشرعه، وهذا مشروع، وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته، على أن الخلاف في مشروعيته، ومن نفى ذلك فعليه الدليل.
وقولهم: إن هذا يحرم الحلال، قلنا: لا يحرم حلالا، وانما يثبت للمرأة خيار الفسخ أن لم يف لها به.
وقولهم: ليس من مصلحته، قلنا: لا نسلم بذلك.
فانه من مصلحة المرأة، وما كان من مصلحد العاقد كان من مصلحة عقده.
وقال ابن رشد: وسبب اختلافهم معارضة العموم للخصوص، فأما العموم فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط».
وأما الخصوص، فحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».
والحديثان صحيحان، خرجهما البخاري ومسلم.
إلا أن المشهور عند الاصوليين القضاء بالخصوص على العموم، وهو لزوم الشروط.
وقال ابن تيمية: ومقاصد العقلاء إذا دخلت في العقود، وكانت من الصلاح الذي هو المقصود لم تذهب عفوا ولم تهدر رأسا، كالاجال في الاعواض، ونقود الاثمان المعينة ببعض البلدان، والصفات في المبيعات، والحرفة المشروطة في أحد الزوجين.
وقد تفيد الشروط ما لا يفيده الاطلاق، بل ما يخالف الاطلاق.